فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)}.
قال أبو عبيدة: أصل النتق قلع الشيء من موضعه، والرمي به.
يقال: نتق ما في الجراب إذا رمى به وصبه.
وامرأة ناتق ومنتاق إذا كثر ولدها لأنها ترمي بأولادها رميًا فمعنى {نَتَقْنَا الجبل} أي قلعناه من أصله وجعلناه فوقهم وقوله: {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} قال ابن عباس: كأنه سقيفة والظلة كل ما أظلك من سقف بيت أو سحابة أو جناح حائط، والجمع ظلل وظلال، وهذه القصة مذكورة في سورة البقرة {وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} قال المفسرون: علموا وأيقنوا.
وقال أهل المعاني: قوي في نفوسهم أنه واقع بهم إن خالفوه، وهذا هو الأظهر في معنى الظن، ومضى الكلام فيه عند قوله: {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبّهِمْ} [البقرة: 46] روي أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لغلظها وثقلها، فرفع الله الطور على رؤوسهم مقدار عسكرهم، وكان فرسخًا في فرسخ، وقيل لهم: إن قبلتموها بما فيها وإلا ليقعن عليكم، فلما نظروا إلى الجبل خر كل واحد منهم ساجدًّا على حاجبه الأيسر، وهو ينظر بعينه اليمنى خوفًا من سقوطه، فلذلك لا ترى يهوديًا يسجد إلا على حاجبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى، ويقولون هي السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة.
ثم قال تعالى: {خُذُواْ مَا ءاتيناكم بِقُوَّةٍ} أي وقلنا خذوا ما آتيناكم أو قائلين: خذوا ما آتيناكم من الكتاب بقوة وعزم على احتمال مشاقه وتكاليفه {واذكروا مَا فِيهِ} من الأوامر والنواهي، أي واذكروا ما فيه من الثواب والعقاب، ويجوز أن يراد: خذوا ما آتيناكم من الآية العظيمة بقوة، إن كنتم تطيقونه كقوله: {إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أقطار السموات والأرض فانفذوا} [الرحمن: 33] واذكروا ما فيه من الدلالة على القدرة الباهرة لعلكم تتقون ما أنتم عليه. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ}.
يقول: قلعنا ورفعنا الجبل فوقهم {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} أي كهيئة الغمام {وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} أي أنه يعني: أيقنوا الجبل واقع بهم {خُذُواْ مَا ءاتيناكم بِقُوَّةٍ} أي قيل لهم: اعملوا بما أعطيناكم من التوراة بقوة أي بجد ومواظبة {واذكروا مَا فِيهِ} أي اعملوا ما فيه من الحلال والحرام والأمر والنهي {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} المعاصي، وذلك حين أبوا أن يقبلوا التوراة، فرفع الجبل فوقهم فقبلوا. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ} أي قلعنا الجبل.
قال مجاهد: كما ينتق الزبد. وقال المؤرخ: قطعنا.
وقال أبو عبيدة: زعزعنا. وقال الفراء: خلقنا. وقال بعضهم رفعناه. واحتج بقول العجاج:
ينتقن أقتاد الشليل نتقًا ** يعني يرفعه عن ظهره.

وقال آخر:
ونتّقوا أحلامنا الأثاقلا

وقال بعضهم: أصل النتق والنتوق أن يقلع الشيء من موضعه فيرمى. قال أبان بن تغلب: سمعت رجلًا من العرب يقول لغلامه: فخذ الحجر ألقه فانتقه أي نكسه وانثره.
ويقال للمرأة الكثيرة الولد: ناتق ومنتاق لأنها ترمي صدرها رميًا قال النابغة:
لم يحرموا حسن الغذاء وأُمهم ** حقت عليك بناتق مذكار

وقال بعضهم: هو من التحريك فقال: ينتقي السير أي حَرَكني، يقال: ينتق برجله ويركض إذا حركت رجله على الدابة حين تعدو به. {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} الظلة ما أظلك {وظنوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} نازل بهم {خُذُواْ} أي قلنا خذوا {مَا ءاتيناكم بِقُوَّةٍ واذكروا مَا فِيهِ} فاعملوا به {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وذلك حين أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة ويعملوا بها لتغليظها وكانت شريعة ثقيلة فرفع الله عز وجل جبلًا على رؤوسهم مقدار عسكرهم وكان فرسخًا في فرسخ.
وقيل لهم: إن قبلتموها بما فيها ليقعن عليكم. قال الحسن البصري: فلما نظروا للجبل خرَّ كل رجل ساجدًّا على حاجبه الأيسر ونظر بعينه اليمنى على الجبل خوفًا من أن يسقط عليهم فلذلك ليس اليوم في الأرض يهودي يسجد إلاّ على حاجبه الأيسر، يقولون: هذه السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة.
نشر موسى الألواح فيها كتاب الله كتب بيده لم يبقَ على وجه الأرض جبل، ولا بحر ولا حجر إلاّ اهتزّ فليس اليوم يهودي على الأرض صغير ولا كبير يقرأ عليه التوراة إلاّ اهتزّ وتعفّر لها رأسه. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ...}.
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: زعزعناه، قاله ابن قتيبة، ومنه قول العجاج:
قد جرّبوا أخلاقنا الجلائلا ** ونتقوا أحلامنا الأثاقلا

والثاني: بمعنى جذبناه، والنتق: الجذب ومنه قيل للمرأة الولود ناتق، قال النابغة:
لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم ** طفحت عليك بناتقٍ مذكار.

واختلف في سبب تسميتها ناتقًا، فقيل لأن: خروج أولادها بمنزلة الجذب. وقيل: لأنها تجذب ماء الفحل تؤديه ولدًا.
والثالث: معناه ورفعناه عليهم من أصله.
قال الفراء: رفع الجبل على عسكرهم فرسخًا في فرسخ.
قال مجاهد: وسبب رفع الجبل عليهم أنهم أبوا أن يقبلوا فرائض التوراة لما فيها من المشقة، فوعظهم موسى فلم يقبلوا، فرفع الجبل فوقهم وقيل لهم: إن أخذتموه بجد واجتهاد وإلا ألقي عليكم. قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: فأخذوه بقوة ثم نكثوا بعد.
واختلف في سبب رفع الجبل عليهم هل كان انتقامًا منهم أو إنعامًا عليهم؟ على قولين:
أحدهما: أنه كان انتقامًا بالخوف الذي دخل عليهم.
والثاني: كان إنعامًا لإقلاعهم به عن المعصية.
{... وَظّنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} فيه قولان:
أحدهما: أنه غلب في نفوسهم انه واقع بهم على حقيقة الظن.
والثاني: أنهم تيقنوه لما عاينوا من ارتفاعه عليهم، قاله الحسن.
{خُذُواْ مَا ءَاتَيْنَاكُمْ} يعني التوارة.
{بِقُوَّةٍ} يحتمل وجهين:
أحدهما: بجد واجتهاد.
والثاني: بنية صادقة وطاعة خالصة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ}.
{نتقنا} معناه اقتلعنا ورفعنا فكأن النتق اقتلاع الشيء، تقول العرب: نتقت الزبدة من فم القربة، ومنه قول الشاعر: [الرجز]
ونتقوا أحلامنا الأثاقلا

والناتق الرحم التي تقلع الولد من الرجل، ومنه قول النابغة:
لم يحرموا حسن الغداء وأمهم ** دحقت عليك بناتق مذكار

وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بتزويج الأبكار فإنهن أنتق أرحامًا وأطيب أفواهًا» الحديث. وقد جاء في القرآن بدل هذه اللفظة في هذه القصة بعينها رفعنا لكن {نتقنا}، و{فوقَهم} أعطت الرفع بزيادة قرينة هي أن الجبل اقتلعته الملائكة وأمر الله إياه، وروي أن موسى عليه السلام لما جاءهم بالتوراة فقال عن الله تعالى هذا كتاب الله أتقبلونه بما فيه؟ فإن فيه بيان ما أحل لكم وما حرم عليكم وما أمركم وما نهاكم، قالوا: انشر علينا ما فيها فإن كانت فرائضها يسيرة وحدودها خفيفة قبلناها، قال: قبلوها بما فيها قالوا: لا، فراجعهم موسى فراجعوا ثلاثًا فأوحى الله عز وجل إلى الجبل فانقلع وارتفع فوق رؤوسهم، فقال لهم موسى صلى الله عليه وسلم ألا ترون ما يقول ربي؟: لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها لأرمينكم بهذا الجبل قال الحسن البصري: فلما رأوا إلى الجبل خر كل واحد منهم ساجدًّا على حاجبه الأيسر ونظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقًا أن يسقط عليه فلذلك ليس في الأرض يهودي يسجد إلا على حاجبه الأيسر يقولون هذه السجدة التي رفعت بها عنا العقوبة، والظلة ما أظل ومنه {من ظلل من الغمام} [البقرة: 210] ومنه {عذاب يوم الظلة} [الشعراء: 189] ومنه قول أسيد بن حضير للنبي صلى الله عليه وسلم: «قرأت البارحة فغشي الدار مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تلك السكينة تنزلت للقرآن» فإن قيل فإذا كان الجبل ظلة فما معنى: كأنه؟ فالجواب أن البشر إنما اعتادوا هذه الأجرام الأرضية ظللًا إذا كانت على عمد، فلما كان الجبل على غير عمد قيل {كأنه ظلة} أي كأنه على عمد، {وظنوا} قال المفسرون: معناه أيقنوا.
قال القاضي أبو محمد: وليس الأمر عندي كذلك بل هو موضع غلبة الظن مع بقاء الرجاء، وكيف يوقنون بوقوعه وموسى عليه السلام يقول: إن الرمي به إنما هو بشرط أن لا يقبلوا التوراة والظن إنما يقع ويستعمل في اليقين متى كان ذلك المتيقن لم يخرج إلى الحواس وقد يبين هذا فيما سلف من هذا الكتاب ثم قبل لهم في وقت ارتفاع الجبل: {خذوا ما آتيناكم بقوة} فأخذوها والتزموا جميع ما تضمنته من شدة ورخاء فما وفوا، وقرأ جمهور الناس: {واذكروا} وقرأ الأعمش فيما حكى أبو الفتح عنه: {واذكروا} {ولعلكم} على ترجيهم وهذا تشدد في حفظها والتهمم بأمرها. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم} أي: واذكر لهم إذ نتقنا الجبل، أي: رفعناه.
قال مجاهد: أُخرج الجبل من الأرض، ورفع فوقهم كالظُلَّة، فقيل لهم: لتؤمنُنَّ أو ليقعنَّ عليكم.
وقال قتادة: نزلوا في أصل الجبل، فرُفع فوقهم، فقال: لتأخُذُنَّ أمري، أو لأرمينكم به.
قوله تعالى: {وظنوا أنَّه واقع بهم} فيه قولان:
أحدهما: أنه الظن المعروف.
والثاني: أنه بمعنى اليقين.
وباقي الآية مفسر في سورة [البقرة: 63]. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذ نَتَقْنَا الجبل}.
{نتقنا} معناه رفعنا.
وقد تقدّم بيانه في البقرة.
{كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} أي كأنه لارتفاعه سحابة تُظلّ.
{خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} أي بِجدّ.
وقد مضى في البقرة إلى آخر الآية. اهـ.